في كل موسم حج، تتوجه قلوب السودانيين نحو مكة المكرمة، متمنين لحجاج بلادهم حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، ولكن للأسف في هذا العام كان المشهد مؤلماً ومحبطاً، حيث تعرض حجاجنا لخدمات سيئة ومهينة، رغم ما دفعوه من أموال طائلة، الأمر الذي فجّر بركان الغضب في صدور الوطنيين الشرفاء. ومن بين هؤلاء، تصدّر صوت الانصرافي، الإنسان الوطني، الذي لم يتردد في تسمية الأمور بمسمياتها، ورفع صوته عالياً ضد فساد بعثة الحجاج، مؤكداً أن هذا الفساد لا يمكن السكوت عليه.
الفساد الذي طال البعثة والحجاج
ما حدث هذا العام من سوء في الخدمات المقدمة لحجاج السودان لا يمكن وصفه إلا بالكارثة، ومهما حاول البعض التبرير أو التغطية، تبقى الحقيقة ساطعة: هناك فساد واضح في بعثة الحج السودانية. الحجاج دفعوا مبالغ ضخمة، بل خرافية، مقابل خدمات ضعيفة لا تليق بمقام الإنسانية، ولا بمقام العبادة، ولا حتى بأبسط حقوق المواطن السوداني.
من الطبيعي أن يجد الحاج السوداني نفسه في مكان لائق، وأن يتلقى خدمات محترمة، وأن يشعر بأن دولته تراعيه وتقدره، خاصة وهو يؤدي فريضة العمر. ولكن الواقع، كما يقول الانصرافي، كان مريراً، حيث عانى الحجاج من الإهمال، وسوء التنظيم، ورداءة الإقامة، ورداءة الطعام، فضلاً عن الازدحام وعدم وجود أي سند أو متابعة من البعثة المسؤولة.
الانصرافي: صوت الوطنية والحق
في خضم هذه الفوضى، خرج الانصرافي ليعلو صوته فوق كل الأصوات، رافضاً الصمت والسكوت عن الفساد. قالها بصدق وبلهجة سودانية وطنية: “دا فساد عيني عينك، ودا ما ساكتين عليهو”. الانصرافي لم يكن يبحث عن شهرة أو منصب، بل كان يبحث عن حق الناس الغلابة الذين جمعوا من قوت يومهم وعرق جبينهم ليحجوا، فإذا بهم يواجهون الإهانة والذل في أقدس بقاع الأرض.
الانصرافي، كما عهدناه، لم يجامل ولم يهادن أحداً، بل واجه الفساد وجهاً لوجه، ووجه سهامه نحو المسؤولين في بعثة الحج، قائلاً: “الحج دا عبادة، ومافي زول عندو الحق يتاجر بيها أو يقصر في حق الحجاج. الحجاج دافعين دم قلبهم، وما ممكن نقبل معاملتهم بالطريقة دي”.
قرار رئيس مجلس الوزراء: هل هو الحل؟
إزاء هذه الضجة والفضيحة التي لا يمكن التستر عليها، أصدر رئيس مجلس الوزراء الجديد قراراً بتكوين لجنة برئاسته للتحقيق في شأن بعثة الحج. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا القرار حكيمًا ومسؤولاً، لكنه في الحقيقة، كما قال الانصرافي، قرار غير صائب وفي غير محله.
يعلق الانصرافي على هذا القرار قائلاً: “يا جماعة، القرار دا معناتو الانتظار الطويل والمماطلة في محاسبة الناس المسؤولين. البلد دي، محتاجة لي حسم وفعل سريع، ما محتاجة لي لجان تسوي تحقيقات وتمشي وتجي، وفي النهاية ما بنلقى نتيجة”.
الانصرافي يرى أن تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء نفسه قد يبدو قراراً كبيراً، لكنه في الحقيقة مجرد محاولة لامتصاص غضب الشارع، وتمييع القضية، وتحويلها إلى ملف في الأدراج الحكومية. ويضيف الانصرافي: “الحكاية واضحة، والفساد ظاهر، وما داير ليهو تحقيقات ولا لجان. المفروض في محاسبة فورية، والناس المسؤولين يتحاسبوا قدام الشعب”.
أهمية تقييم الحجاج: حق لا يُنتزع
من النقاط الأساسية التي شدد عليها الانصرافي هي ضرورة تقييم الحجاج أنفسهم، فهم أصحاب الحق الأصيل، وهم الذين عاشوا المعاناة ودفعوا الأموال، ويجب أن يكون صوتهم مسموعاً. قال الانصرافي، بلهجته الصريحة: “الحجيج دافعين مبالغ ضخمة، وحقهم علينا نسمع صوتهم ونقيم تجربتهم. ما معقول الدولة تتعامل معاهم كأنهم زبائن ساكت، أو مجرد أرقام في كشوفات البعثة”.
الانصرافي يقترح أن يتم تنظيم استبيان أو لقاءات مفتوحة مع الحجاج فور عودتهم، لسماع شهاداتهم وتوثيق معاناتهم، حتى تكون المحاسبة قائمة على حقائق لا تقبل التشكيك أو التزييف. ويقول: “البعثة لازم تتحاسب على تقصيرها، وأي مسؤول قصر أو شارك في الفساد لازم يتحاكم قدام الناس. الحجاج ديل أمانة في رقبتنا كلنا”.
السكوت عن الفساد خيانة للوطن والدين
من أخطر ما يمكن أن يحدث في أي مجتمع هو أن يصبح الفساد أمراً عادياً، وأن يتعود الناس على الصمت. الانصرافي يحذر من هذا الخطر، ويقول: “الساكت عن الحق شيطان أخرس. الفساد، خاصة في الحج، ما فساد عادي، دا فساد في أقدس مكان وأقدس وقت. لو سكتنا اليوم، بكرة الفساد بزيد، وحقوق الناس بتضيع”.
ويضيف، مخاطباً المسؤولين: “لو عايزين الناس تحترم الدولة وتثق فيكم، لازم تكونوا على قدر المسؤولية، وتحاسبوا الفاسدين مهما كانت مناصبهم. البلد دي ما بتقوم إلا بالعدل، والعدل ما بتحقق بالكلام، بتحقق بالفعل”.
رسالة الانصرافي للشعب السوداني
الانصرافي يخاطب الشعب السوداني، قائلاً: “يا ناس، ما تسكتوا على حقوقكم. الحكاية دي ما قضية حجاج وبس، دي قضية كل زول في البلد دي. اليوم الحجاج اتظلموا، بكرة الدور بيجي على أي واحد فينا. لازم نرفع صوتنا ونطالب بحقوقنا، ونحاسب المسؤولين عن الفساد والتقصير”.
ويختم الانصرافي مقاله بالقول: “البلد دي بتتصلح لما الناس الشرفاء يرفعوا صوتهم، ولما كل واحد يعرف إنو حقو ما بيضيع لو طالب بيهو. ومافي زول فوق القانون، وكل فاسد لازم يتحاسب. دي رسالتي، ودي كلمة حق أقولها أمام الله وأمام الناس”.
في النهاية، يبقى صوت الانصرافي ضميراً حياً يذكرنا جميعاً بأن الوطن أمانة، وأن السكوت عن الفساد خيانة، وأن الحجاج السودانيين يستحقون الأفضل، لا أقل من ذلك.