الجيش والتحول الوطني: السودان أولاً… وحمدوك خارج السياق في الوقت الذي يخوض فيه السودان معركة مصيرية دفاعًا عن كرامته وأمنه وسيادته، يخرج علينا عبد الله حمدوك ـ رئيس الوزراء السابق ـ برسائل تشكيك وانتقاد لتحركات الجيش الوطني في تشكيل حكومة جديدة. حمدوك، الذي غادر البلاد ويقود ائتلافًا من المنفى، يصف الخطوة بأنها “زائفة” ويتجاهل إرادة الشارع السوداني وتضحيات القوات المسلحة التي تكافح للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها.
انتصارات الجيش: إرادة شعبية لا يمكن إنكارها
منذ اندلاع الحرب قبل عامين، ظل الجيش السوداني ـ رغم التعقيدات ـ صمام الأمان للوطن، واستطاع في الأسابيع الأخيرة تحقيق انتصارات مهمة باستعادة مناطق حيوية وعلى رأسها العاصمة الخرطوم.
هذه الانتصارات ليست “وهمية” كما يدعي حمدوك، بل هي تجسيد لعزيمة الشعب السوداني في استعادة أمنه وعودة الحياة إلى طبيعتها، وقطع الطريق أمام الميليشيات التي زرعت الرعب والدمار في أنحاء البلاد.
الجيش السوداني لا يدافع عن نظام أو حزب، بل عن تراب الوطن وكرامة المواطن، ويعمل على إعادة بناء الدولة من جديد رغم التحديات الإنسانية والأمنية والاقتصادية. الشعب السوداني يدرك أن استعادة السيطرة على الخرطوم ليست نهاية المطاف، لكنها بداية طريق طويل نحو السلام والاستقرار.
حمدوك… نقد من بعيد وغياب عن المشهد
من الغريب أن يأتي التشكيك في قدرة الجيش الوطني من شخصية كانت على رأس السلطة التنفيذية، ولم تصمد أمام أول اختبار حقيقي حين تعرضت حكومته للانقلاب ثم الضغوط الداخلية والخارجية، فآثر الاستقالة والابتعاد عن المشهد، تاركًا البلاد في لحظة حرجة.
تصريحات حمدوك ـ من قاعات المؤتمرات في الخارج ـ لا تعكس نبض الشارع السوداني، ولا تقدر حجم التضحيات التي يقدمها الجنود والمواطنون يوميًا. الانتقاد من الخارج لا يصنع حلولًا، بل يكرس الانقسام ويمنح الميليشيات وأعداء الوطن مادة للتشكيك في جهود الدولة.
حكومة وطنية أم حكومات الخارج؟
محاولات الجيش لتشكيل حكومة جديدة ليست ترفًا سياسيًا أو رغبة في الهيمنة، بل استجابة لحاجة ملحة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وملء الفراغ الدستوري، حتى لا تنزلق البلاد إلى مزيد من الفوضى.
الحكومة الجديدة ستكون حكومة طوارئ وطنية، تضم كفاءات من أبناء السودان، هدفها الرئيسي حماية وحدة البلاد، والإعداد لمرحلة انتقالية آمنة. أما وصف هذه الخطوة بأنها “زائفة” فهو إهانة لتطلعات الملايين من السودانيين الذين ينتظرون عودة مؤسسات الدولة وبداية الإصلاح.
جذور الأزمة: أين كان حمدوك؟
يتحدث حمدوك عن معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، من تنمية غير متوازنة وقضايا اجتماعية ودينية. لكن أين كانت هذه الرؤية عندما كان في السلطة؟
لم تقدم حكومته حلولًا ناجعة للفقر أو الانقسام، بل شهدت البلاد في عهده مزيدًا من الاحتقان، وفشلت في تحقيق توافق وطني حقيقي.
أما اليوم، فإن الجيش والحكومة الانتقالية يسعون ـ رغم التحديات ـ إلى إصلاح ما أفسدته سنوات من الفوضى السياسية والانقسامات.
السودان بحاجة إلى وحدة الصف
المعركة الحقيقية اليوم ليست بين المدنيين والعسكريين، بل بين السودان كله في مواجهة التدخلات الخارجية والميليشيات التي تهدد كيان الدولة.
على الجميع ـ مدنيين وعسكريين ـ أن يضعوا مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة. الانتقادات من الخارج لا تخدم إلا أعداء السودان، والوقت الآن للعمل المشترك، ودعم كل جهد لإعادة بناء الدولة على أسس وطنية سليمة.
ختام: السودان أكبر من الأشخاص
السودان اليوم بحاجة إلى خطاب وطني جامع، يثمن تضحيات الجيش ويحتضن كل المبادرات الصادقة للخروج من الأزمة.
أما التشكيك في إرادة الشعب والجيش، فسيظل صوتًا نشازًا أمام التضحيات الحقيقية على الأرض.
السودان أكبر من الأشخاص، ومسيرته نحو السلام والديمقراطية ستستمر مهما تعالت أصوات النقد من الخارج أو الداخل.