في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، حيث يعاني السودان من حرب قاسية وتحديات اقتصادية وأمنية غير مسبوقة، برزت مبادرات اجتماعية وإنسانية تعكس روح التكاتف والتكافل بين أبناء الوطن. من بين هذه المبادرات، جاءت دعوة والي ولاية الجزيرة، الطاهر إبراهيم، للأسر السودانية بضرورة تسهيل وتخفيف تكاليف الزواج، حمايةً للشباب وصوناً للكرامة الإنسانية.
الزواج في السودان: بين التقاليد والظروف الراهنة
لطالما كان الزواج في المجتمع السوداني مناسبة اجتماعية عظيمة تجمع الأسر والأصدقاء، وتمثل بداية جديدة لشابين ينطلقان في بناء أسرتهما تحت أعين المجتمع وتقاليده. إلا أن التقاليد الاجتماعية الراسخة كثيراً ما ألقت بظلالها على هذه المناسبة، حيث أصبحت متطلبات الزواج وتكاليفه عبئاً ثقيلاً على كاهل الشباب والأسر على حد سواء. من المهور المرتفعة إلى تكاليف الحفلات والهدايا والسكن، تحول الزواج في كثير من الأحيان إلى حلم بعيد المنال، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
ومع تصاعد الأزمة الإنسانية والأمنية جراء الحرب الدائرة في السودان، ازدادت معاناة الشباب الذين وجدوا أنفسهم أمام أبواب موصدة، ليس فقط بسبب التحديات الاقتصادية، بل أيضاً بسبب النزوح والتهجير وفقدان مصادر الدخل والاستقرار الأسري.
زيارة تحمل رسائل الأمل والمسؤولية
خلال زيارته لمستشفى البشاقرة شرقي الجزيرة، لم يكتفِ والي الجزيرة، الطاهر إبراهيم، بالاطلاع على الأوضاع الصحية والإنسانية فحسب، بل أطلق رسائل مهمة تعكس حسه الوطني والاجتماعي. في حديثه مع الكوادر الطبية والأسر الحاضرة، شدد الوالي على أهمية تخفيف الأعباء الاجتماعية عن الشباب، داعياً الأسر إلى تسهيل إجراءات الزواج وتخفيض تكاليفه، حتى لا يتحول الزواج إلى حاجز جديد أمام جيل المستقبل.
وقال والي الجزيرة:
“ندعو جميع العائلات في ولايتنا الحبيبة وفي كل السودان إلى النظر بعين الرحمة والمسؤولية تجاه شبابنا. الظروف القاسية التي تمر بها البلاد تتطلب منا جميعاً أن نعيد النظر في عاداتنا وتقاليدنا، وأن نجعل من الزواج مناسبة للفرح والتآلف، لا مناسبة للديون والأعباء المالية.”
مبادرة “زواج الكرامة”: رؤية جديدة للمجتمع السوداني
ولم تتوقف دعوة الوالي عند حدود الكلام، بل طالب وزارة الرعاية الاجتماعية بتبني مبادرة “زواج الكرامة”، وهي مبادرة تهدف إلى صون كرامة الشباب وحمايتهم من الوقوع في براثن الفقر أو الانحراف بسبب تعذر الزواج.
تقوم فكرة المبادرة على عدة محاور، من بينها:
- تشجيع الأسر على تخفيف المهور وتقليل المتطلبات المادية للزواج.
- تنظيم حفلات جماعية أو رمزية للزواج، بدعم من المجتمع المحلي والمنظمات الخيرية.
- إشراك الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني في توفير الدعم المالي أو العيني للأسر المحتاجة.
- تكريس قيم التعايش المجتمعي ونبذ القبلية والجهوية في مناسبات الزواج، حتى تكون فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية.
أبعاد اجتماعية وإنسانية للمبادرة
يقول الطاهر إبراهيم:
“إذا كان الزواج هو أساس المجتمع، فعلينا جميعاً أن نعمل على جعله ممكناً لكل شاب وشابة. إن الظروف الاستثنائية التي نعيشها اليوم تتطلب منا أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نقدم مصلحة المجتمع والوطن على المظاهر والعادات البالية.”
ويضيف:
“زواج الكرامة ليس مجرد مبادرة رسمية، بل هو نداء لكل أسرة سودانية أن تضع يدها في يد الدولة والمجتمع المدني، لنصنع الفرحة والأمل وسط هذا الدمار والحزن. شبابنا هم أمل المستقبل، ويجب أن نصونهم ونمنحهم فرصة بناء أسرهم في أجواء من الكرامة والاحترام.”
أهمية نبذ القبلية والجهوية في زمن الحرب
في حديثه، شدد والي الجزيرة أيضاً على ضرورة تكريس التعايش المجتمعي ونبذ القبلية والجهوية، التي كثيراً ما تتفاقم في أوقات الأزمات وتزيد من معاناة المواطنين.
قال الوالي:
“الحرب فرقت بين الكثير من الأسر وهجّرت الملايين، لكننا اليوم بحاجة إلى أن نجعل من الزواج مناسبة لتعزيز وحدتنا. لا مكان للقبلية والجهوية بيننا، فالسودان وطن للجميع، وأبناءه إخوة مهما اختلفت أصولهم أو مناطقهم.”
صدى المبادرة بين المواطنين
لقيت تصريحات والي الجزيرة ومبادرته ارتياحاً واسعاً بين المواطنين والناشطين في قضايا الشباب والأسرة. واعتبرها الكثيرون خطوة مهمة نحو إعادة الاعتبار للقيم السودانية الأصيلة، التي طالما جعلت من التكاتف والتراحم سمة بارزة في المجتمع.
وفي حديث مع إحدى الأمهات من منطقة البشاقرة قالت:
“كم نحن بحاجة إلى مثل هذه المبادرات في هذا الوقت العصيب. أبناؤنا وبناتنا يستحقون أن نفرح بهم، لا أن نحملهم أعباء فوق طاقتهم.”
بينما يقول أحد الشباب:
“نتمنى أن تجد هذه الدعوة صدى واسعاً، فالكثير منا عاجز عن الزواج بسبب التكاليف الباهظة. مبادرة زواج الكرامة تمثل لنا بصيص أمل في وسط هذه العتمة.”
دور الدولة والمجتمع في دعم المبادرة
يؤكد خبراء اجتماعيون أن نجاح مبادرة “زواج الكرامة” يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الجهات الرسمية، من وزارة الرعاية الاجتماعية، إلى منظمات المجتمع المدني، حتى القطاع الخاص ورجال الأعمال.
ويقترح البعض إطلاق حملات توعوية واسعة عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد والمدارس، لتشجيع الأسر على تسهيل الزواج، وإبراز النماذج الناجحة لمناسبات زواج اقتصادية وبسيطة.
الزواج أمل في زمن الحرب
ختاماً، تأتي دعوة والي الجزيرة في وقت أحوج ما يكون فيه الشباب السوداني إلى الأمل والدعم. فالزواج ليس مجرد مناسبة اجتماعية، بل هو تعبير عن إرادة الحياة وتجدد الأمل وسط الدمار. وإذا ما تمكن المجتمع السوداني من تجاوز العقبات الاجتماعية والاقتصادية، وتيسير الزواج للشباب، فإنه يخطو خطوة كبيرة نحو ترميم النسيج الاجتماعي، وبناء مستقبل أكثر استقراراً وأملاً.
رسالة إلى كل أسرة سودانية
في ظل الحرب والضياع، يبقى الأمل في شباب السودان، ويبقى الزواج رمزاً للتجدد والانتصار على الظروف. دعوة والي الجزيرة اليوم ليست مجرد تصريح رسمي، بل هي صرخة ضمير، ونداء إنساني لكل أب وأم وأسرة:
“سهلوا الزواج لأبنائكم وبناتكم، خففوا عنهم الأعباء، وكونوا معهم في هذه المحنة، ليبقى السودان قوياً بأبنائه، متماسكاً بأسرته، وعزيزاً بكرامة شبابه.”
هكذا يتحول الزواج في السودان من عبء إلى طوق نجاة، ومن مناسبة للترف إلى مناسبة للتراحم والتكاتف، في وطن لا يموت فيه الأمل مهما اشتدت الأزمات.
1 تعليق
Good post! We will be linking to this particularly great post on our site. Keep up the great writing